لا يهم إن كنت سفاحاً.. إلى منْ تُصدِّر دولة الإحتلال الإسرائيلي أسلحتها؟

 

جنود الاحتلال وهم يلقون القبض على طفل فلسطيني

في سبتمبر (أيلول) 2018 «رودريجو دوتيرتي» رئيس الفلبين، الذي شبه حربه الدموية على المخدرات بـ«الهولوكوست» بعد تنفيذه عمليات قتل جماعية خارج نطاق القانون، يتوجه إلى تل أبيب، في أول زيارة يقوم بها رئيس فلبيني إلى إسرائيل، لتلبية احتياجاته من الأسلحة، بعدما رفضت الولايات المتحدة بيعه، بسبب انتهاكات حقوق الإنسان في بلاده.


تفسر هذه الزيارة كيف يعمل الجانب الأكبر لقطاع الصادرات العسكرية لدولة الإحتلال، وكيف وصل الأمر بها إلى أن تُصبح ثامن أكبر مُصدِّر للسلاح على مستوى العالم خلال السنوات الخمس الماضية، ولا يتعلق الأمر هنا بمدى كفاءة وتقدم الصناعات العسكرية الإسرائيلية، بقدر ما يتعلق بكيفية تسويق هذه المنتجات، وتحديد العملاء المستهدفين بدقة.


ففي أعقاب حرب عام 1973 والمواجهات العسكرية التالية بينها وبين الدول والمنظمات العربية، أيقنت الدولة العبرية أنها لا تحتاج إلى مجرد صناعات عسكرية قوية، ولكن إلى مجمع صناعي عسكري متكامل، قادر على تزويد قواتها بأسلحة وتقنيات قد لا تستطيع الحصول عليها من الخارج، خاصةً في أوقات احتدام الصراع مع العرب.


وسريعا ما تحوّل طموح الاكتفاء المحلي إلى رغبة في تأسيس قاعدة صناعية عسكرية تجعل منها إحدى أكبر الدول المُصدّرة للسلاح في العالم، وفي هذا السياق أخضعت دولة الإحتلال نظامها التعليمي لخدمة هذا الغرض، فقد طوّرت تقنيات تكنولوجية تسليحية حديثة، مستغلة أدواتها الدبلوماسية في خلق سوق جديدة لأسلحتها.


وتعمل «مديرية التعاون الدفاعي الدولي (SIBAT)» و«مديرية البحث والتطوير الدفاعي (DDR & D)» في وزارة الدفاع لدولة الإحتلال باستمرار على تعزيز الصادرات العسكرية الإسرائيلية من خلال التعاون الدولي واقتحام أسواق دولية جديدة.


نتج عن ذلك أن شكّلت الصادرات العسكرية حوالي 10% من إجمالي صادراتها في عام 2018 مما يُشير إلى أن قطاع تصنيع السلاح بات يلعب دورًا مهمًا في الاقتصاد من خلال خلق فرص العمل وتوليد الدخل، فضلًا عن كونه أداة مهمة لتعزيز علاقاتها الخارجية وتعميق الشراكات الإستراتيجية مع الدول والمؤسسات الأمنية في جميع أنحاء العالم.


لا تعمل الشركات الكبرى داخل دولة الإحتلال وحدها في هذه القطاع، ولكن يجري تمكين الشركات الصغيرة والمتوسطة من المساهمة فيه، حتى أصبح هناك ما يقرب من 1200 شركة صغيرة ومتوسطة تشارك في عمليات التصدير في مجموعة متنوعة من المجالات بما في ذلك: نقل الخبرات البحثية، والهندسة، والأمن والاستخبارات، وصناعات التكنولوجيا الفائقة.


أمّا على صعيد الشركات الكبيرة، فيتكون القطاع العسكري من حوالي 200 شركة عامة وخاصة، تسيطر عليها شركة «أنظمة إلبيط» بجانب ثلاث شركات مملوكة للدولة وهي: شركة «صناعات الفضاء (IAI)»، وشركة «الصناعات العسكرية (IMI)»، وشركة «أنظمة رافائيل الدفاعية المتقدمة».


أكبر هذه الشركات هي شركة «أنظمة إلبيط»، ويجري تداولها في كل من البورصة وبورصة «ناسداك» الأمريكية، وتحتل المرتبة الثمانية والعشرين ضمن أكبر شركات الأسلحة حول العالم، وتنتج الشركة أنظمة للطائرات العسكرية والمروحيات والطائرات بدون طيار وقوارب التحكم عن بُعد المسلحة والمركبات البرية.


وتعتبر طائراتها بدون طيار المصدر الأساسي لتسليح جيش الإحتلال، وجرى استخدمها على نطاق واسع في حرب غزة عام 2014، وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2018 استحوذت «أنظمة إلبيط» على شركة «الصناعات العسكرية الإسرائيلية (IMI)» التي تنتج المدافع الرشاشة، والمدفعيات، والمدرعات، والقنابل، والصواريخ.


بينما شركة «صناعات الفضاء» فتحتل المرتبة الـ39 عالميًا ضمن أكبر شركات الأسلحة حول العالم، التيقد تأسست عام 1953 وكانت أحد أهم مصادر تسليح الجيش، وخصوصًا بأنظمة الطائرات دون طيار، فيما تُصنَّف شركة «أنظمة رافائيل» في المرتبة الـ44 عالميًا، وتشمل منتجاتها محطات الأسلحة التي يجري التحكم فيها عن بُعد، وأنظمة الاتصالات وأنظمة المراقبة والاستهداف وأنواع عديدة من الصواريخ.


أحد منظومات الدفاع الجوية لدولة الإحتلال

طفرة في صادرات الأسلحة.. وآسيا أكبر الأسواق

أعلنت حكومة الإحتلال في يونيو (حزيران) 2021، أن قيمة الصادرات العسكرية الإجمالية قد وصل 8.3 مليار دولار في عام 2020، وهو ثاني أعلى رقم مبيعات على الإطلاق، بعد عام 2017، عندما بلغ الإجمالي 9.2 مليار دولار، وقد سجلت قيمة صادرات عام 2020 ارتفاعًا بنسبة 15% عن عام 2019.


ورغم مخاوف قطاع تصدير الأسلحة من تأثيرات فيروس كورونا على مبيعات 2020، فإن المحصلة – وفق تقرير الحكومة – جاءت عكس التوقعات، فقد استمرت دول آسيا والمحيط الهادئ في كونها السوق الرئيسة لتقنيات الدفاع؛ إذ شكّلت 44% من إجمالي الصادرات، بما في ذلك دول الخليج التي بلغت قيمة مشترياتها حوالي 800 مليون دولار.


ويرى المسئولون في دولة الإحتلال أن هناك إمكانية كبيرة للنمو في سوق الأسلحة الخليجية، ولكن ما يُعيق هذا الأمر هو تلك التشريعات التي تحد من بيع التقنيات العسكرية المتقدمة، لذلك تعمل وزارة الدفاع على تطوير نسخ مُخصَّصة من نظام الدفاع الجوي (القبة الحديدية) للتصدير إلى دول الخليج.


وتشير البيانات إلى إرتفاع في صادراتها إلى أوروبا أيضاً، والتي ارتفعت من 26% من إجمالي المبيعات في عام 2019 إلى 30% في عام 2020، ويبدو أن جائحة كورونا قد أدت إلى زيادة الطلب في أوروبا على أنظمة مراقبة الحدود، لتعقب تحركات المواطنين واللاجئين، لا سيما في المناطق التي لا يوجد فيها سياج، وأمّا النسب المتبقية فتوزّعت على أمريكا الشمالية بمقدار 20%، وأفريقيا بنسبة 4%، وأمريكا اللاتينية بنسبة 2%.


ووفقًا لتقرير معهد «ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI)» لعام 2021، والذي يعتمد على تسجيل صفقات السلاح الرسمية فقط، فقد احتلت دولة الإحتلال المركز الـثامن ضمن قائمة أكبر مُصدّري الأسلحة في الفترة من 2016 إلى 2020، وقد مثّلت صادراتها خلال هذه الفترة نسبة 3% من إجمالي صادرات الأسلحة حول العالم، وذلك بعد أن كانت نسبتها 1.9% في الفترة من 2011 إلى 2015، أي أن صادراتها حققت قفزة خلال السنوات الخمس الأخيرة بلغت 59%، وقد بلغت قيمة الصفقات الرسمية التي سجّلها تقرير SIPRI لعام 2020 نحو 345 مليون دولار فقط.


وبحسب تقرير SIPRI فأن دولة الإحتلال تُصدِّر أسلحتها – بشكل رسمي – إلى 40 دولة، وتستحوذ الهند وحدها على نصيب 43% من إجمالي صادراتها العسكرية، بينما تذهب 17% من هذه الصادرات إلى أذربيجان، و12% إلى فيتنام، و4% إلى الولايات المتحدة الأمريكية. 


فصل عنصري وإبادات.. عقود من الصفقات المشبوهة

تشير الأرقام الرسمية السابق ذكرها إلى نجاح قطاع الصناعات العسكرية لدولة الإحتلال في عمليات التسويق لمنتجاته، ورغم ذلك، تتعمّد عدم نشر معلومات رسمية حول أغلب صفقات صادراتها من الأسلحة، وتكتفي بذكر أرقام وإحصاءات كلية، وغالبًا ما تشير العناوين الرئيسة إلى بيعها لنظام صاروخي أو برنامج تجسس جديد إلى «دولة آسيوية» أو «دولة في أوروبا»، من أجل الحفاظ على سرية بيانات العميل، وكل هذا يجعل من المستحيل معرفة التفاصيل الدقيقة لكافة صادرات الأسلحة لدولة الإحتلال، وهوية عملائها.


ويعود السبب وراء ذلك إلى أنها تصدر الأسلحة إلى أكثر الحكومات قمعًا في العالم، فغالبًا ما يكون عملائها متورطين في إبادات جماعية وانتهاكات ممنهجة لحقوق الإنسان حول العالم، وتشمل هذه القائمة صادرات منذ عقود لنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، والمجلس العسكري في الأرجنتين، والجيش الصربي أثناء الإبادة الجماعية في البوسنة، ورواندا في السنوات التي سبقت الإبادة الجماعية في البلاد.


وتشمل قائمة عملاءها حاليًا حكومة ميانمار، إذ أبرمت صفقات مع شخصيات عسكرية بارزة مرتبطة بـ»الإبادة الجماعية» ضد أقلية الروهينجا المسلمة، وتشمل المبيعات الأخيرة إلى ميانمار زوارق الدوريات البحرية المُزوَّدة بمحطات «Elbit» للأسلحة عن بعد (وهو نظام تشغيل للأسلحة الخفيفة والمتوسطة للتحكم في إطلاق النار عن بُعد) والتي استمر تسليمها حتى في ظل اتهام القوات المسلحة في ميانمار بارتكاب «جرائم حرب»، واستمرت في توفير تكنولوجيا المراقبة لنظام ميانمار في عام 2021.


إلى جانب ذلك تبيع كميات كبيرة من الأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة للعديد من الدول الأفريقية، والتي تظهر في العديد من البقع المشتعلة في القارة (مثل جنوب السودان، وإثيوبيا، وتشاد) إلى جانب السماسرة والخبراء العسكريين الإسرائيليين.


وفي هونج كونغ وروسيا وبيلاروسيا ، تخترق الحكومات هواتف النشطاء والمعارضين وتتعقبهم عن طريق برامج وتقنيات أنتجتها وصدّرتها شركة «Cellebrite» التابعة لدولة الإحتلال، ففي المكسيك باعت في الفترة بين عامي 2006 و2018، حوالي 24 ألف قطعة سلاح صغيرة، استخدمتها «فرق الموت»، ضد المعارضين، وهي جماعات غير نظامية تابعة للشرطة المكسيكية يتمثل نشاطها الأساسي حاليًا في تنفيذ عمليات القتل خارج نطاق القانون أو الاختفاء القسري للخارجين عن القانون والمعارضين على حدٍ سواء.


وجدير بالذكر أن دولة الإحتلال كانت تُدرّب القوات المكسيكية على تكتيكات طوّرها جيشها أثناء قمع الانتفاضات الفلسطينية، ونقلت إليهم نظام نقاط التفتيش (الذي كانت تتبعه في الضفة الغربية وغزة)، كتكتيك رئيس للسيطرة على الوضع الأمني هناك.


ولا تعتمد دولة الإحتلال في إستراتيجيات تسويق منتجاتها العسكرية على الدول القمعية والبؤر ذات التوترات الأهلية فقط، ولكنها تبحث عن مناطق الحروب والاضطرابات الدولية، لذلك فإن الهند وأذربيجان هما أكبر عملاء قطاع الأسلحة، فهما الدولتان المتواجدتان في بقعتين من أكثر بقاع العالم توترًا على مدار العقد الماضي.


وقد زاد التوتر بين الهند وباكستان خلال العقد الماضي، بجانب المضايقات الصينية للهند، الأمر الذي دفع الأخيرة لمضاعفة ميزانيتها الدفاعية ثلاث مرات، فبلغت ميزانية الدفاع الهندية في عام 2019 نحو 91.1 مليار دولار، أي في المرتبة الثالثة بعد ميزانية الولايات المتحدة والصين.


واستغل صانعو الأسلحة بدولة الإحتلال هذين الصراعين أفضل استغلال، وراحوا يعملون على سد الثغرات الموجودة في مخزون أسلحة الجيش الهندي وقدراته الاستخباراتية، بدايةً من قنابل «Spice 2000» الموجهة، ووصولًا إلى طائرات «Heron» بدون طيار، والتي باتت تستخدمها القوات الجوية، والبحرية، والوحدات البرية في الجيش الهندي، من أجل زيادة قدرتها على المراقبة المستمرة للأراضي المتنازع عليها في جبال الهيمالايا، فضلًا عن الأسلحة الصغيرة التي يستخدمها الجيش الهندي في انتهاكاته التي يمارسها في إقليم كشمير.


وفي أذربيجان، خلال صراعها مع جارتها أرمينيا، وهو الصراع الذي ارتفعت وتيرته مُجددًا خلال السنوات الخمس الماضية، ويمكن أن ندرك حجم تواجد دولة الإحتلال في الصراع المسلح الذي نشب مؤخرًا في البلدين في سبتمبر 2020، عندما نعلم أنها تستحوذ على 69% من واردات أذربيجان العسكرية خلال آخر خمس سنوات. وهي الأسلحة التي كانت حاضرة بقوة في الحرب الأخيرة مع أرمينيا.


كما سلمت ذخائر «HAROP» إلى أذربيجان لأول مرة عام 2015، وقد تم استخدامها في مناوشات حدودية مع أرمينيا عام 2016، وشهدت هذه الذخائر استخدامًا واسع النطاق عام 2020، وجادل بعض المحللين بأن الذخائر المتساقطة والطائرات بدون طيار التي قدّمتها دولة الإحتلال كانت عنصرًا مهمًا في التفوق العسكري لأذربيجان على أرمينيا خلال حرب عام 2020، كما زودت أذربيجان بنظام الدفاع الجوي والصاروخي «Barak-8» عام 2016 والذي ساهم في إسقاط الصواريخ الأرمينية في حرب عام 2020.


صواريخ باتريوت

الأسلحة التي جرى اختبار فاعليتها في العرب أولًا

واحدة من الأدوات التي تعتمد عليها في تسويق منتجاتها العسكرية، هو الادعاء بأن هذه المنتجات (من أسلحة وأنظمة مراقبة) جرى استخدامها في مواقف قتالية فعلية وجرى اختبار فعاليتها، فوفقًا للبيانات الرسمية لدولة الإحتلال.


كما تصدر 75% من إنتاجها العسكري، بينما تستخدم الباقي في سد احتياجات الجيش، ولكي تنجح في تصدير ثلاثة أرباع إنتاجها اختبرت نسبة الـ25% في الساحات التي يحتلها الجيش الإسرائيلي في فلسطين، أو يخترقها من وقت لآخر في لبنان وسوريا.


ففي الأول من يونيو عام 2021، أي بعد أقل من أسبوعين من وقف إطلاق النار في الحرب الأخيرة على غزة في مايو (آذار) 2021، نشرت شركة «صناعات الفضاء (IAI)» بيانًا حول صفقة بقيمة 200 مليون دولار لبيع طائرات بدون طيار من طراز «Heron» لدولة آسيوية لم تسمها.


وجاء في البيان: «تعد الطائرات بدون طيار من عائلة هيرون من أبرز صناعات الطيران الإسرائيلية، وقد لعبت دورًا مهمًا وحاسمًا في جمع المعلومات الاستخبارية في عملية حارس الجدران»، ولكن جرى حذف هذا الجزء من البيان في نسخته الإنجليزية، إذ يبدو أن صانع القرار الإسرائيلي يحقق مكاسب أخرى من الحروب الدموية على غزة، والغارات الخاطفة على سوريا ولبنان، تتمثل في تسويق منتجاته العسكرية.


المصدر : البيان الإخباري + ساسة بوست + a7ssan

تعليقات