أمريكا تنتهج سياسة نقدية جديدة.. كيف تؤثر السياسة النقدية الجديدة لأمريكا على مصر؟



فرضت جائحة كورونا على العالم إتخاذ تدابير اقتصادية ما لمواجهة هذا الظرف الطارئ والخروج من الازمة، وفي مارس (آذار) من عام 2020؛ بدأ الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي -وهو الكيان الأمريكي الموازي لما نطلق عليه البنك المركزي- خطته لحماية الاقتصاد من آثار الجائحة، ضمن خطة توجه اقتصادي أعم يشمل السياسة المالية، وهي مشابهة للتوجهات التي اتبعتها كثير من دول العالم لنفس الأهداف. 


ومع إعادة فتح القطاعات تغير الوضع الاقتصادي عما كان عليه سابقًا ، من انتهاء حظر التنقل في أغلب دول العالم، وعودة حركة المسافرين ونقل البضائع تدريجيًا، وبدأت السياسة النقدية تدريجيًا في التخلي عن كثير من الإجراءات المتبعة لمكافحة آثار الجائحة، وبدا أن هناك خطر آخر قد بدأ في الظهور، هو خطر التضخم المتمثل بارتفاع الأسعار، والذي يعزوه الفيدرالي الأمريكي إلى ضغوطات مؤقتة وانتقالية بسبب إعادة فتح الاقتصاد، فما الإجراءات التي اتخذتها البنوك المركزية في العالم وعلى رأسها الفيدرالي الأمريكي لمواجهة الجائحة؟ وما الذي يعنيه قرار تقليص هذه الإجراءات على العالم والدول الناشئة تحديدًا؟ 


سياسات الفيدرالي الأمريكي لإنقاذ الاقتصاد 

اضطرت البنوك المركزية في العالم، وتحديدًا الفيدرالي الأمريكي إتخاذ حزمة من السياسات النقدية التوسعية، وهي السياسات التي تتخذ عادةً بهدف إنعاش الاقتصاد، وحمايته من مواجهة أزمة الركود والانكماش، أو تخفيف حدة هذه الأزمة؛ عن طريق زيادة عرض النقود في الاقتصاد، وتخفيض تكلفة الديون بهدف زيادة الاستثمار والاستهلاك.


وفي سبيل ذلك استخدم الفيدرالي الأمريكي حزمة واسعة كان أهمها تخفيض سعر الفائدة الصادر عن الفيدرالي الأمريكي إلى الصفر أو قريب من الصفر، مع اتباع الفيدرالي الأمريكي سياسة التأكيد على بقاء سعر الفائدة عند هذه الحدود طالما كان ذلك لازمًا، وللتأثير في التوقعات الاقتصادية أستخدم أخيراً سياسة التسهيل الكمي التي تعتمد على خلق نقود لم تكن موجودة في الاقتصاد، ولا في حوزة الفيدرالي؛ وضخها في الاقتصاد عن طريق شراء سندات طويلة الأجل.


وبطبيعة الحال يعتمد سعر الفائدة الذي تستخدمه البنوك لإقراض عملائها، ومثله أيضًا أسعار فائدة سندات الاقتراض على سعر الفائدة الذي يصدره البنك المركزي، فيكون سعر فائدة البنك -مثلًا- أعلى من سعر فائدة البنك المركزي بنسبة تحددها مخاطر الإقراض، وفي حال أرتفع سعر فائدة الفيدرالي الأمريكي فإن ذلك يعني ارتفاع أسعار فوائد الإقراض في الاقتصاد، وإذا انخفض سعر فائدة البنك المركزي انخفضت معها أسعار فائدة الإقراض، ما يعني انخفاض تكلفة الاستدانة لتمويل الاستثمار والاستهلاك في الاقتصاد من قبل البنوك، ويؤدي ذلك إلى إنعاش الاقتصاد.


أما بالنسبة لسياسات التسهيل الكمي فهي عادة ما تستخدم عندما تصل فائدة البنك المركزي إلى الصفر أو قريب منه؛ فلا يمكن للبنوك المركزية تخفيض سعر الفائدة أكثر من ذلك لإنعاش الاقتصاد، وقد يحتاج البنك المركزي إلى تخفيض أسعار الفائدة في الاقتصاد أكثر مما هي عليه، بعد أن خفض فائدته إلى الصفر أو قريب من ذلك؛ فيلجأ في هذه الحالة إلى التسهيل الكمي، الذي يعني شراء السندات طويلة الأجل من المؤسسات المالية التي تمتلكها في الاقتصاد، ما يعني زيادة النقود في يد هذه المؤسسات المالية، وفي الاقتصاد بشكل عام، ويؤدي ذلك إلى زيادة النشاط الاقتصادي. 


لكن الظرف الاقتصادي بدأ بالتغير، نتيجة لإعادة فتح الاقتصاد، واختلاف توقعات التضخم للفترة القادمة، وتوقعات النمو أيضًا، فالاقتصاد الأمريكي يتوقع أسرع معدلات نمو منذ الثمانينيات، ومعه ترتفع معدلات التضخم أيضًا؛ نتيجة لارتفاع الطلب، وكما أن خفض أسعار الفائدة واستخدام التسهيل الكمي مناسب لتنشيط الاقتصاد عند الركود، فإن رفع أسعار الفائدة وترك التسهيل الكمي تدريجيًا هي السياسة النقدية المناسبة لضبط التضخم، لكن ما الذي يعنيه كل ذلك للاقتصادات الناشئة؟ وخصوصًا لدول مثل مصر؟ 


دعم العملة

السياسة النقدية تلقي بظلالها على المراكز الغربية في بقية دول العالم، وتحديدًا سياسة الفيدرالي الأمريكي، الدول المدينة بالعملات الأجنبية على وجه الخصوص، فكلما رفعت دولة ما سعر فائدتها قوّى ذلك عملتها المحلية، لأن ارتفاع سعر الفائدة في بلد ما يجذب الاستثمار الأجنبي، وتحتاج الدول الناشئة تحديدًا إلى رفع سعر فائدتها إذا أرادت جذب الأموال الأجنبية، وتحتاج الدول الناشئة تحديدًا أن تكون أسعار فائدتها مرتفعة مقارنة بالدولار، خصوصًا وأن مخاطر الاستثمار في بلدان مثل مصر بالنسبة للمستثمرين الأجانب أكثر من الاستثمار في الولايات المتحدة الأمريكية، ولن يفكر المستثمرون بضخ أموالهم دون فرق في العائد يعوض هذه المخاطر. 


إذ تعد أسعار الفائدة في مصر من أعلى أسعار الفائدة الحقيقية في العالم، وتحتاج مصر لإبقاء أسعار الفائدة مرتفعة لحماية عملتهما، رغم الكلفة المرتفعة لفعل ذلك. 


قرر البنك المركزي المصري إبقاء سعر الفائدة على ما هو عليه، ثماني مرات على التوالي، لإبقاء التضخم ضمن الحدود المستهدفة، والتي تدور حول 7%، مع هامش زيادة أو نقصان 2% حتى عام 2022، وسعر الفائدة الحقيقي في مصر هو الأعلى في العالم حسب بلومبرج. كل ذلك في ظل حفاظ الفيدرالي الأمريكي على سعر فائدة يساوي صفر، أو قريب من الصفر، وقناعته بأن معدلات التضخم الحالية في الولايات المتحدة الأمريكية مؤقتة، لكن ما الذي سيحصل إن اختلف الأمر عن ذلك؟ 


خطر التضخم المحدق باقتصادات مصر

يوجد في مصر معدلات تضخم مرتفعة نسبيًا، لكنها مسيطر عليها، والسلاح الأساسي في السياسة النقدية لمعالجة التضخم هو رفع أسعار الفائدة، كما أنه السلاح الأساسي لتقوية العملة أيضًا، لكن التضخم الداخلي ليس المشكلة الوحيدة لمصر؛ بل إنها ومعهما كثير من الاقتصادات الناشئة ستتأثران بالتضخم العالمي، وخصوصًا التضخم في الولايات المتحدة الأمريكية. 


في 3 نوفمبر (تشرين الثاني) 2021 أعلن الفيدرالي الأمريكي بعد شهور من النقاش داخله عن بدء تقليص سياساته النقدية التوسعية، فبدلًا من شراء 120 مليار دولار من سندات الخزينة وأدوات الدين الأخرى، سيبدأ البنك المركزي بخفض هذا المبلغ تدريجيًّا ابتداء من نهاية الشهر الحالي، وبواقع 15 مليار دولار كل شهر، بعد أن بدأت بنوك مركزية أخرى باتباع النهج نفسه، مثل البنك المركزي الأسترالي والكندي، ويتوقع أن يلحق بنك إنجلترا بهم عما قريب، برفعه لسعر الفائدة لأول مرة منذ عام 2018. 


وفي إعلانه؛ أوضح البنك المركزي أنه يبقى مراقبًا للتضخم في البلاد، ومستعدًا لمكافحته متى استلزم الأمر، برفع سعر الفائدة لاحقًا، فرغم رؤيته لعدم الحاجة لفعل ذلك في اللحظة الحالية، ورغم أن أسعار الفائدة سترتفع في السوق نتيجة لتخفيض معدلات شراء الفيدرالي الأمريكي للسندات وأدوات الدين، فإن الأمر قد يتغير في أي لحظة قادمة، خصوصًا مع بقاء معدلات التضخم مرتفعة نسبيًا في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد يضطر البنك المركزي قريبًا لرفع سعر فائدته أيضًا.


ومع أن الفيدرالي الأمريكي لا يرى حاجة راهنة لرفع سعر الفائدة الصادر عنه، فإن هذا الأمر قد يتغير في أي لحظة قادمة، خصوصًا مع بقاء معدلات التضخم مرتفعة نسبيًّا في الولايات المتحدة الأمريكية؛ ما يعني أن الفيدرالي الأمريكي قد يضطر لرفع هذه الفائدة الصادرة عنه لمحاربة التضخم، بالرغم من ذلك فإن قرار الفيدرالي الأمريكي الصادر مؤخرًا بتخفيض شرائه للسندات وأدوات الدين، يعني أن أسعار الفائدة في السوق سترتفع، وإن لم يرفع الفيدرالي الأمريكي سعر الفائدة الصادر عنه بشكل مباشر.


في حال حصول ذلك؛ فإن البنك المركزي المصري لن يكون لديه فرصة لتخفيض سعر فائدته المرتفع جدًا، والذي يؤثر في الاستثمار الداخلي، فالشركات الصغيرة والمتوسطة في مصر لا تستطيع الاقتراض بمعدلات الفائدة المرتفعة الحالية، وإذا ارتفعت معدلات الفائدة الأمريكية فإن البنك المركزي المصري سيضطر إلى رفع سعر فائدته أكثر، ليبقي الفارق بينه وبين سعر الفائدة في الولايات المتحدة الأمريكية؛ لدعم قوة الجنيه المصري واستقراره، ولجذب الأموال الأجنبية أيضًا، مضحيًا بالاستثمار المحلي، وبقدرة الشركات على الاستدانة في الداخل، ويؤثر أيضًا في رفع كلفة الديون العامة؛ بسبب ارتفاع سعر الفائدة.


وختاماً يجب التبيه للقطاعات الصغيرة المحلية داخل مصر بأخذ التدابير اللازمة وإيجاد حلول لمثل هذه المشكلة.


المصدر : البيان الإخباري + a7ssan 

تعليقات