السودان.. من يقف خلف النزاعات بين القبائل ؟ وهل يوجد حل؟

السودان.. من يقف خلف النزاعات بين القبائل ؟ وهل يوجد حل؟


السودان.. من يقف خلف النزاعات بين القبائل ؟ وهل يوجد حل؟


شهدت السودان موجة من الصراع بين القبائل كان آخرها القتال القبلي بين أبناء قبيلة الفونج وحلفائها الذين قد اقتتلوا في ولاية النيل الأزرق في يوليو/ تموز الماضي، مع أبناء قبيلة الهوسا.


 والأخيرون مسلمون ينحدر أسلافهم من غربي أفريقيا، حيث وقع حوالي 200 قتيل جراء هذا القتال.


امتدت آثار تلك الاضطرابات في النيل الأزرق في يوليو/ تموز إلى ولايتي كسلا والجزيرة، حيث وقعت أعمال شغب وإحراق متاجر ومبان حكومية ومؤسسات تعليمية هناك، ووصلت حصيلة أسبوع كامل من الصدامات إلى ما يزيد على 200 قتيل و313 جريحا وفق وزير الصحة في الولاية جمال ناصر.


 صرحت نشرة مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في السودان (أوتشا) أن أعداد النازحين بمحليات ولاية النيل الأزرق بلغت أكثر من 17 ألف شخص، بينهم 15 ألف نازح من محلية الرصيرص وحدها. 


أسباب النزاع

أفاد البيان الصادر من حكومة الولاية أن الخلاف نشأ عندما  طالبت قبيلة الهوسا بـ"نظارة"؛ وهي أعلى الرتب قاطبة في نظام الإدارة الأهلية السوداني، مضيفا أنه تعذرت الاستجابة للمطلب، لأن النظارة غير مأذونة شرعا لمثل الهوسا التي تقيم في دار آخرين هم شعب السلطنات". 


الدلالات ستكون عميقة لهذا النوع من النزاعات، في بلد يضم 570 قبيلة منتمية لـ57 مجموعة إثنية تنتشر في ولاياته الـ18.


إذ تنقسم المجموعات في السودان "إلى اثنتين: صاحب الدار، والضيف على الدار، وقبائل المجموعة الثانية تعرف باسم قبائل التبع لصاحب الدار. والعلاقة هذه شبه استعمارية، إذا لم تكن استعمارية.


 ولا نفوذ سياسي لهم، بمعنى أنهم لا يكونون نظارا في قبيلتهم يدفعون مكوسا على هذا وذاك".


 وهذا هو الوضع الذي وجده الإنكليز وقننوه. وهو وضع يجعل في الريف مواطنتين: مواطنة سادة الدار ومواطنة تبع".


وتكمن أهمية النظارة في نظر القبائل الساعية لها، فتأتي من كونها كانت تقتصر "تاريخيا على الجماعة صاحبة الدار لا يطمع فيها طامع من غيرها. فالنظارة جاه سياسي يدير به شاغله "دولته" الصغيرة من المواطنين والرعايا. ويكتفي الرعايا من الإدارة الذاتية في غير دارهم بـ"شياخة" أو "عمودية" مرجعيتها الناظرة في ضرائبها للحكومة، وقضائها، وكل تصريف لشأنها".


ومن المعلوم أن نظام الإدارة الأهلية يتدرج من المستوى الأدنى "المشايخ"، ثم الوسط "العمد"، فالمستوى الأعلى "النظار"، وتختلف مسميات القيادات من مكان إلى آخر. ففي غرب السودان وخاصة ولايات دارفور تستخدم القبائل العربية نفس المسميات المستخدمة بشمال السودان، أما قبائل الفور، فنجد ألقاب "الشرتاي" و"الدمنقاوي" و"الفرشة"، وقبائل المساليت تستخدم لقب "السلطان" الذي تستخدمه أيضا قبائل جنوب السودان.


ظلت هذه الأعراف صامدة بعد استقلال السودان عن بريطانيا عام 1956 في الريف السوداني بفضل نظام الإدارة الأهلية. وبموجب هذا النظام، تمتع زعماء القبائل المحليين بسلطات قضائية وإدارية ومالية، وانتشرت المحاكم الأهلية التي تعرف بـ"محاكم النُظار والعُمد"، وكان هدفها تنظيم سبل التعايش السلمي ومراقبة الخدمات، وحلحلة النزاعات ورعاية العلاقات الودية بين مناطق التماس القبلي. كما ساعدت الإدارة الأهلية على جلب الضرائب والزكاة وأسهمت في الحفاظ على الأمن والاستقرار.


لكن حكومة الاستقلال الأولى بدأت بتدجين القبائل عبر سحب صلاحيات نظارها تدريجيا عبر قانون أصدرته عام 1959 وفق بحث للدكتور محمد عيسى عليو عنوانه "الإدارة الأهلية من المهد إلى اللحد".


 يقول عليو إن القانون الذي أصدرته لجنة القاضي أبو رنات عام 1959 بتكليف من حكومة الفريق إبراهيم عبود بغرض تنظيم العلاقة بين المركز والأطراف، نص على تفتيت القيادة الإدارية وتوزيع السلطات، "فالقضاء أصبح تحت إشراف القاضي، والشرطة ترصد أعمال الأمن والضرائب مسؤولية ضابط المركز".


وظل هذا الوضع حتى عهد جعفر نميري (1969 – 1985) الذي ألغى الإدارات الأهلية، وسيطرة نظار القبائل على الأراضي، واستعاض عنها بقانون الحكم الشعبي المحلي، الذي اعتمده البرلمان عام 1971. فاصبحت السلطة الجديدة وقتها ترى في تلك الإدارة" امتدادا طبيعيا للتربية الاستعمارية وطريقة متخلفة في الحكم فات أوانها"، وفق الرائد أبو القاسم محمد إبراهيم أحد أركان نظام مايو/أيار 1969. 


لكن ذلك أحدث بالمقابل "فراغا" وفق الخبير التنموي الدكتور الوليد مادبو، وقد "سعت المجموعات الحداثية لملئه". وبرغم ذلك قاومت الإدارات الأهلية قرار الإلغاء، خاصة في إقليم دارفور. 


لكن حكومة مايو/أيار ذاتها حاولت في سنواتها الأخيرة، إعادة الإدارة الأهلية تحت مسميات عديدة، وفق ما يؤكده الباحث عليو. وهو ما فعلته حكومة "الديمقراطية الأخيرة التي قدمت مشروعا لإعادة الإدارة الأهلية ولكنها لم تستطع تطبيقه لسقوطها أمام حكومة الإنقاذ". 


وعندما جاءت ما تعرف بثورة الإنقاذ عام 1989 -يضيف مادبو- حاولت "أن تجير نظام الإدارة الأهلية والطرق الصوفية لصالح المنظومة الأيديولوجية التابعة للجبهة الإسلامية القومية". 


وفي هذا الصدد يقول محمد عبده مختار في دراسته المعنونة بـ"أثر القبيلة في الاستقرار السياسي في السودان (حالة دارفور)" إن الجبهة القومية الإسلامية برئاسة حسن الترابي سارت في نهج استقطاب عدد من القبائل ودعمها وتسليحها بالعتاد. واستخدمت الإدارة الأهلية كوظائف حكومية تعطى للقبائل الموالية للنظام وتحجب عن الأخرى التي ترفض الإذعان. واستغنت الحكومة عن نظارات في حواكير بعض القبائل التي رفضت الإذعان، بأخرى رضيت أن تكون واجهة سياسية عبر قيادتها الأهلية. 


أما الرئيس المخلوع عمر البشير فذهب إلى تعزيز نظام الإدارة الأهلية مرة أخرى من أجل كسب ولاءات المجتمعات التقليدية.


وبعد سقوط البشير عام 2019 استمر تسييس الإدارات الأهلية واستخدام رموزها في النزاعات القبلية، وهو ما أقرت به وزيرة الحكم الاتحادي في السودان بثينة دينار بعد أحداث النيل الأزرق مباشرة. وقالت إن هذه الإدارات "أصبحت جزءا من الصراع السياسي في البلاد، وتحتاج إلى قوانين لمعالجة هذا الأمر".


 كما أعطى المكون العسكري المشارك في إزاحة عمر البشير أسطع مثل على تسييس الإدارات الأهلية عندما رعى نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو (حميدي) تأسيس "الحزب الأهلي السوداني" من رؤساء القبائل. وأبدى رئيس الحزب العميد طيار معاش الناظر يوسف أبو روف خلال مخاطبته مؤتمرا صحفيا بالخرطوم في 19 يونيو/حزيران 2019 امتنانه للجهة التي رعت إنشاء هذا التشكيل السياسي، بالإعراب عن" ثقة الإدارات الأهلية في المجلس العسكري الانتقالي لقيادة الفترة الانتقالية". 


المصدر : a7ssan + مواقع إلكترونية

تعليقات