ترسيم الحدود البحرية بين لبنان ودولة الإحتلال.. هل يهدئ الأوضاع بين حزب الله وتل أبيب؟

ترسيم الحدود البحرية بين لبنان ودولة الإحتلال.. هل يهدئ الأوضاع بين حزب الله وتل أبيب؟

 

ترسيم الحدود البحرية بين لبنان ودولة الإحتلال


استطاعت كلا من لبنان وإسرائيل التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن ترسيم الحدود البحرية بينهما، حيث اعتمدا الخط 23 أساساً مبدئياً للتقسيم.


ساعد في الوصول إلى هذا الإتفاق وساطة المبعوث الأميركي، آموس هوكستاين، كما كان لفرنسا دور واضح.


 كما كان للرئيس الأميركي، جو بايدن، دور هو الآخر والذي توَّج هذه المساعي باتصال (في 11 أكتوبر/تشرين الأول 2022) مع رئيس الجمهورية اللبنانية، ميشال عون، لتهنئته على هذا الاتفاق، وكان قد سبق له أن اتصل برئيس الحكومة الإسرائيلية، يائير لابيد، للغاية نفسها، بما يؤكد اهتمام إدارته وحرصها حتى اللحظات الأخيرة على إنجاحه.


ويبدو أن هذا الإتفاق قد حقق أهداف كلا البلدان والذي من المتوقع أن يتم إيداعه في الأمم المتحدة خلال الأيام المقبلة.


أبرز ما تم الاتفاق عليه

بموجب هذا الإتفاق، فإن حقل كاريش قد أصبح بشكل كامل في الجانب الإسرائيلي، والذي بات على وشك استخراج الغاز منه.


في المقابل، أصبح للبنان حق السيطرة على "حقل قانا" الذي يتجاوز خط الترسيم الفاصل بين الطرفين، والذي ستباشر شركة توتال الفرنسية التنقيب فيه، وستحصل إسرائيل على "تعويض" من الشركة، في حين سيحصل لبنان على "حقوقه كاملة" دون أي شراكة مع إسرائيل. 


كما اقتصر الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية فقط، وتجاوز بل إن صح التعبير تجاهل ترسيم ما يسمى "خط العوامات" القريب من الشاطئ، وهو الذي ثبَّتته إسرائيل بعد انسحابها من لبنان عام 2000، ويمتد لثلاثة أميال من شاطئ رأس الناقورة إلى البحر المتوسط، ويُصِر لبنان على رفضه. 


لذا فنياً يظل هذا الإتفاق غير مكتمل رغم أنه في المحصلة يلبي مطالب الأطراف في اللحظة الراهنة.


لكن اللافت خلال المفاوضات هو مرونة حزب الله وإعلانه موافقته سلفاً على ما تُقرِّره الدولة اللبنانية بشأن مفاوضات الترسيم ونتائجها.


حيث ربط الحزب سماحه لإسرائيل باستخراج الغاز من حقل كاريش بالسماح للبنان باستخراج ثرواته، فأصبح الاتفاق بهذا الاعتبار -إسرائيليًّا- هدفا بذاته لتفادي التصعيد العسكري.


كما ساعد تخلي لبنان عن الخط 29 في خلق مخرجا ملائماً لإسرائيل من التصعيد، بل إن صح أعطاها أيضا مكسباً سهلاً دون مفاوضات صعبة فضلاً عن المواجهة العسكرية. 


ولا شك أن أن هذا الاتفاق سيلبي حاجة وطنية للخروج من الانهيار الاقتصادي الذي تمر به لبنان، لا سيما أن كل الخطط المطروحة لا يزال مدخلها الوحيد هو صندوق النقد الدولي، ولن تكون كافية لإخراج لبنان من أزمته دون مساعدة من أشقائه العرب، أو أن يستفيد من موارد نفطية محتملة.


هل يكون هذا الإتفاق بداية لعهد جديد بين لبنان ودولة الإحتلال؟

لعل أهم دلالة يُشير إليها هذا الاتفاق هو عدم استحالة حدوث أي اتفاقات إسرائيلية أخرى مع لبنان قد تنتهي بهدنة طويلة بين البلدين حتى في ظل استمرار سلاح حزب الله.


 وبدون أيٍّ من مظاهر التطبيع. قد تكون مرونة الحزب على هذا الصعيد تهدف إلى هذه الغاية أو أنها أثبتتها في سياق تطور دور حزب الله في لبنان أو المنطقة. وهذا التطور بطبيعة الحال لا ينفصل عن علاقة الحزب بمحور إيران ولا بدوره فيه، ولا عن صراع هذا المحور أو اتفاقه مع الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، وبوجه خاص إسرائيل.


ورغم ذلك تبقى المشكلة أن هذه الظروف نفسها التي ساعدت على تحقيق هذا الإتفاق إذا ما تبدلت فإنها قد تعود على الاتفاق بالعرقلة، أو قد تبقى سيفا مسلطا فوقه وتَحُول دون تطوره. ففي حال الوصول مثلا إلى حائط مسدود في الملف النووي الإيراني، أو الانزلاق لمواجهة على الحدود البرية اللبنانية أو في سوريا ما بين حزب الله وإسرائيل، فإنه لا شيء يمنع أن تنتقل العراقيل إلى البحر أيضاً.


بل ربما يكون هذا الإتفاق بداية لفترة جديدة في المنطقة تقوم على أساس المصلحة مقابل المصلحة.


وحتما سيبقى الإتفاق داخل لبنان محل جدل داخلي حول سرديتين متصارعتين: الأولى تقول إن حزب الله تنازل عن خط 29 وتمسك بالخط 23 وقانا في سياق إقليمي، وسيستثمره داخليا ليكسب جمهوره الشيعي ويحقق له مكاسب طائفية، وليُعزِّز علاقته بحلفائه خاصة المسيحيين منهم الذين يوفرون له الغطاء الوطني وفق هذه السردية، وأنه مستعد لمساعدتهم في تحقيق مثل هذه الإنجازات. 


وسردية أخرى تقول إن حزب الله هو حركة "مقاومة"، وقد تطورت علاقته ببيئته اللبنانية، حلفاء وشركاء، وينتمي إلى محور "صراعه الطويل" مع إسرائيل بغضِّ النظر عن طبيعته، ولا يزال ممسكا بزمام المبادرة في لبنان والمنطقة، وما حصل هو مكسب سياسي في سياق صراع أطول يختلط فيه السياسي والعسكري.


المصدر : a7ssan + مركز الجزيرة للدراسات الاستراتيجية

تعليقات